
هل يجوز السفر إلى القدس للصلاة
في المسجد الأقصى وهو في قبضة اليهود ؟
السؤال
نحن في الأردن تتيح لنا الشركات
السياحية الفرصة لزيارة القدس ، فهل تجوز الصلاة في المسجد الأقصى لو أتيحت الفرصة
أم يعتبر حراماً لأنه من باب التطبيع مع اليهود ؟
نص الجواب:
الحمد لله..
أولاً :
لا شك أن المسجد الأقصى هو
أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها بغرض العبادة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تُشَدُّ
الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى) .
رواه البخاري ( 1132 ) ، ومسلم
( 1397) .
والأصح في فضل الصلاة فيه
أنها بمائتين وخمسين صلاة ، وأما الحديث المشهور أن الصلاة فيه بخمسمائة صلاة : فضعيف
، وينظر في ذلك كتاب " تمام المنة " للشيخ الألباني رحمه الله ( ص 292 )
.
والمسجد الأقصى ليس حَرَماً
، وإطلاق بعض الناس عليه لفظ " الحرم " : خطأ ، وإنما الحرم : مكة والمدينة
، وينظر في ذلك جواب السؤال رقم ( 34751).
ثانياً:
من المعلوم أن المسجد الأقصى
الآن تحت سيطرة اليهود المغتصبين ، ولا يمكن الوصول إليه لمن هو خارج فلسطين إلا من
خلالهم ، ومن هنا اختلف العلماء المعاصرون في حكم السفر من أجل الصلاة في المسجد الأقصى
، فذهب بعض العلماء إلى تحريم السفر إلى القدس عن طريق اليهود وسفاراتهم ، وأجازه آخرون
.
ومن أبرز أوجه المنع عند من
منع :
1. قالوا : لما يقتضيه ذلك
السفر من أخذ تأشيرة السفر من السفارات اليهودية وهو يعدُّ إقراراً بالاغتصاب وتطبيعاً
مع اليهود .
2.وقالوا : إن المسافر إلى
القدس للصلاة في المسجد الأقصى معرَّض للوقوع في حبائل فتنتهم ، سواء من جهة النساء
، أو من جهة المال ، ذلك أن الرحلة لن تكون محصورة في زيارة المسجد الأقصى ، بل سيتخللها
زيارة أماكن أخرى في فلسطين المحتلة ، وهو ما قد يسبب فتنة في دين أو خلق من قد ينبهر
بما يراه فيها .
3. وقالوا : إن كان المراد
بالسفر إلى الأقصى تحصيل الأجور المضاعفة : فإن البديل هو في الصلاة في مكة والمدينة
، وبه يحصِّل أضعافاً مضاعفة عما يحصله في الصلاة في المسجد الأقصى.
4.وقالوا : إن اليهود هم المستفيدون
من هذه الأفواج المسافرة إلى المسجد الأقصى من أوجه كثيرة ، من أبرزها :
- تحسين صورة اليهود أمام
العالَم وأنها لا تمنع المصلين والعابدين من الصلاة في الأقصى .
- أن فيه تحجيماً لقضية احتلال
فلسطين ، وحصر ذلك بالقدس ، وها هي تسمح للمسلمين أينما كانوا بالمجيء للصلاة فيه
.
- الفائدة الاقتصادية ، من
خلال استيفاء الرسوم في السفارة ، والإقامة في فنادقهم ، والشراء من بضائعهم .
- كسر حاجز البغض والعداوة
بين المسلمين وبين اليهود المحتلين من خلال زيارة سفاراتهم ، والدخول بحمايتهم ، ورؤية
أعلامهم ترفرف في طريق الذهاب والإياب .
وأما الذين أجازوا الذهاب
إلى القدس والصلاة في المسجد الأقصى الآن ، فيقولون :
1. ثبت في الصحيحين أن النبي
صلى الله عليه وسلم زار المسجد الحرام وطاف وصلى واعتمر فيه بما سمي " عمرة القضاء
" وذلك سنة سبع للهجرة ، وكانت مكة إذ ذاك في قبضة المشركين والذين منعوا النبي
صلى الله عليه وسلم وأصحابه قبل ذلك من دخولها .
فلم يكن وجود مكة في قبضة
المشركين مانعاً للمسلمين من السفر إليها والصلاة في المسجد الحرام فيها ، ولم يكن
ذلك واجباً على المسلمين حتى يقال بأنه من باب الضرورة ، وليس اليهود بأشد كفراً وطغياناً
من المشركين .
وهذا دليل شرعي يقضي على الخلاف
، ولا ينبغي تقديم العاطفة على الشرع ، ولم يكن الذهاب لمكة في ذلك الوقت تطبيعاً مع
المشركين ، ولا مزيلاً لحواجز العداء والبغضاء بين المسلمين والمشركين ، بل العكس هو
الصحيح ؛ فإن رؤية الكعبة في قبضة المشركين زاد في العداوة والبغضاء تجاههم .
ولم يكن الذهاب لمكة منسياً
لجهاد الكفار المحتلين ، بدليل ما حصل بعد ذلك من " فتح مكة " وتطهيرها من
رجس الشرك وأهله ، وهكذا يقال في رؤية اليهود وهم يحتلون المسجد الأقصى ؛ فإن ذلك يزيد
في عداوتهم وبغضهم ، ويزيد من الإصرار على تحرير المسجد – بل فلسطين كلها – من قبضتهم
.
2.ويقولون : إن السفر إلى
القدس للصلاة في المسجد الأقصى فيه توكيد للعالَم بأحقية المسلمين في هذا المسجد ،
وأنه باقٍ في ذاكرتهم لم ينسوه .
3.ويقولون : إننا بسفرنا هذا
نقدم دعماً معنويّاً للمسلمين هناك ، حيث نراهم ونختلط بهم ، ونقوي عزائمهم بالكلمة
الطيبة والتشجيع على البقاء مرابطين .
4.ويقولون : ونقدم أيضاً للمسلمين
هناك الدعم المادي ، وذلك عن طريق الشراء من بضائعهم ، أو إدخال مبالغ للفقراء والمحتاجين
هناك .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه
الله تعالى : في ظل التفاهم بين العرب واليهود، هل يجوز زيارة المسجد الأقصى والصلاة
فيه، خصوصا في حال الموافقة من الدول العربية ؟ .
فأجاب : " زيارة المسجد
الأقصى والصلاة فيه سنة إذا تيسر ذلك ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تشد الرحال
إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى متفق على صحته ". انتهى من "مجموع فتاوى
ابن باز" (8/214).
وسألنا الشيخ عبد الرحمن البراك
حفظه الله تعالى عن هذه المسألة فقال : " زيارة المسجد الأقصى الآن جائزة ومشروعة
، وقد اعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ومكة تحت سلطان المشركين " انتهى
.
وعلى من عزم السفر للمسجد الأقصى
أن يراعي جملةً من الأمور :
1. أن تكون النية في السفر
فقط إلى " المسجد الأقصى " ، دون غيره من أماكن العبادة ، أو المساجد .
2. أن لا يعقب الزيارة ولا
يسبقها الذهاب إلى أماكن السياحة ؛ لما فيها من مفاسد لا تخفى .
3.أن لا تكون الإقامة في فنادق
يهودية إن تيسر غيرها .
4.أن يتجنب ما فيه إثراء لاقتصادهم
قدر استطاعته .
وينظر جواب السؤال رقم
:(7726) ففيه بيان أهمية القدس بالنسبة للمسلمين وأنه ليس لليهود حقٌّ فيها .
والله أعلم .
المرجع (موقع
الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد)
رقم
السؤال (148027)